إعلام البلدية:

كل يومٍ جديد بالنسبة لها هو فرصة جديدة لتحقيق أبسط تفاصيل حياتها، كونها ترى أن الحياة الروتينية والواجبات اليومية أمورٌ تستحق أن تعيشها بكامل تفاصيلها فقد استعادت قدرتها على ممارسة تفاصيل حياتها الصغيرة وأصبح بإمكانها مواصلة الطريق بعدما ظنت أن حياتها توقفت إلى الأبد جراء فقدانها جزءًا من جسدها اعتبرته بمثابة الحياة.

وكانت السيدة نجود حمد (46 عاماً) قد أصيبت بطلق ناري من قوات الاحتلال الإسرائيلي في قدمها اليسرى خلال عملها في مهنة الزراعة على الحدود الشرقية الشمالية لقطاع غزة عام 2019، وبعد معاناة استمرت 5 سنوات أكد الأطباء أن عملية البتر أصبحت أمرًا لا مفر منه.

وتقول حمد التي تقطن مدينة بيت حانون شمال شرق قطاع غزة: "معاناتي بدأت منذ إصابتي برصاصة إسرائيلية أثناء عملي في زراعة الأرض مع زوجي، ما جعلني أعاني 5 سنوات بين مستشفيات غزة والضفة الغربية رفضاً لفكرة البتر من تحت الركبة في البداية متأملةً أن أتعافى، ولكن بعد انتشار الغرغرينا وتزايد الألم استسلمت للأمر الواقع".

أسيرة كرسي متحرك

وتتابع "استيقظت من عملية البتر ولم أجد ساقي اليسرى فانهرت ولم أستطع استيعاب الوضع رغم كل الدعم والمساعدة من زوجي وعائلتي، لكن ذلك كان صعبًا، خاصة كلما تذكرت أن حياة مختلفة تنتظرني كأسيرةً لكرسي متحرك".

وتواصل الحديث عن معاناتها: "بعد العملية شعرت أن حريتي سُلبت وفقدت قدرتي على ممارسة حياتي اليومية كأم لستة أطفال؛ وكنت أتساءل بحسرة عن مصيري ومصير عائلتي بعد أن أصبح الخروج من المنزل أمر محرج"، مشيرةً إلى معاناتها من الاكتئاب وسوء الحالة النفسية لـ6 أشهر.

وتضيف حمد: "قررت في لحظة إنهاء فصل المعاناة في حياتي واتخذت قرارًا بالبحث عن مركز مختص لتركيب طرف صناعي حتى أتمكن من العودة إلى الحياة، وفي النهاية قامت منظمة أطباء بلا حدود بتحويلي إلى مركز الأطراف الصناعية والشلل والأجهزة التقويمية التابع لبلدية غزة".

تأهيل جسدي

وتؤكد السيدة الأربعينية ذات البشرة القمحية، أنها "توجهت برفقة زوجها إلى مركز الأطراف ووجدت هناك كل ترحيب وبدأت مرحلة جديدة من التأهيل الجسدي والنفسي وصولاً إلى مرحلة التدريب على الطرف الصناعي".

وتستذكر أن المرحلة الأولى في التأهيل كانت صعبة جداً من الناحية النفسية والجسدية، لكن الطاقم الطبي داخل المركز ساندها بشكل كامل، ووقف إلى جانبها داعمًا لها لتشجيعها وتحفيزها.

وتتابع بحماس: "تجدد الأمل لديّ منذ أول موعد مع الطبيب المختص لتقييم حالتي وتحديد المطلوب وفورًا بدأت جلسات التأهيل وأخذ القياسات، وبمساعدة الفريق الطبي في مركز الأطراف الصناعية بدأتُ التدرُب على استخدام الطرف الصناعي دون مساعدة أحد ما جعلني أبكي حينها من شدة الفرح وقرب انتهاء الفصل الأصعب من حياتي".

وتبين نجود أن "سعادة الأهل والجيران بعد رؤيتها تمشي بدون مساندة أحد كانت كبيرةً جدًا، وبدأت بالعودة لحياتها الطبيعية تدريجيًا وأصبح بإمكانها التنقل باستقلالية ودون عوائق".

وتضيف: "طوال رحلة علاجي كانت عائلتي الحاضن الأول لي، فلم يتوان زوجي وأبنائي من دعمي ومساعدتي على تجاوز المشكلات التي كنت أعيشها، خاصة أن الوضع النفسي كان صعباً، كما أن طاقم مركز الأطراف الصناعية والشلل التابع لبلدية غزة، لم يدخر جهدًا في مساعدتي حتى الآن حيث لا يزال المختصون يتابعون حالتي بشكلٍ دوري لحل أي مشكلات أوجهها".

خدمات تأهيلية

وبإشراف أخصائيّ قسم الأطراف الصناعية في المركز، حصلت نجود على خدمات تأهيلية متكاملة قبل تركيب الطرف الصناعي، كما حصلت على جلسات تدريب على استخدام الطرف.

وتوضح أخصائية العلاج الطبيعي في المركز رينا شبير المسؤولة عن متابعة حالة نجود، أنها كانت تعاني من ضعف عام في العضلات السفلية بسبب بتر قدمها اليسرى من تحت الركبة، وبعد تقييمها من الفريق الطبي المختص في العيادة تم تحويلها إلى قسم العلاج الطبيعي لبدء عملية التأهيل البدني وتقوية العضلات والتي تتضمن تمارين التوازن واستخدام الرابط الضاغط والأوزان.

وتؤكد أن طاقم المركز واجه صعوبة خلال مرحلة التدريب بسبب الحالة النفسية لنجود وعدم تقبلها للطرف الصناعي، ولكن بعد جلسات نفسية وتأهيلية عدة أصبحت قادرة على صعود ونزول السلالم وتمكنت من استخدام الطرف في جميع مراحل حياتها اليومية.

5 برامج علاجية

من جهته؛ يقول مدير مركز الأطراف الصناعية والشلل محمد دويمة: إن "المركز يقدم خدمات لـ 3200 حالة سنويًا بينها 500 حالة من ذوي البتر، من خلال 5 برامج أساسية هي: برنامج الأطراف الصناعية والأجهزة التقويمية، وبرنامج القدم الحنفاء، وبرنامج القدم السكرية، وبرنامج الكراسي المتحركة، وبرامج الدعم النفسي والتأهيلي".

ويؤكد دويمة أن قطاع غزة يصنف من أكثر المناطق التي يعيش فيها أفراد من ذوي البتر في العالم، مبيناً أن مرض السكري يحتل المركز الأول في مسببات البتر بنسبة 45%، يليه الاحتلال الإسرائيلي وممارساته في المركز الثاني بما نسبته 37%، أما بقية الحالات تنتج عن الحوادث العرضية وحوادث السير.

ويبين دويمة أن المركز سلم خلال العام المنصرم 150 طرفًا صناعياً لذوي البتر، و75 كرسيًا متحركًا، و125 ساند يد، و417 جهازاً ليلياً، و80 حالة قدم حنفاء، و379 جهازاً لتقوس الساقين، و107 أجهزة Kafo، إضافة إلى تنفيذ 787 جلسة دعم نفسي، و2883 جلسة علاج طبيعي.

ويوضح دويمة أن المركز استقبل منذ بداية العام 1342 حالة متنوعة ما بين عيادة العظام والقدم الحنفاء، إضافة إلى أوامر التشغيل الصادرة والمنجزة، وجلسات العلاج الطبيعي وجلسات الدعم النفسي الفردية، والأجهزة المساعدة والكراسي المتحركة.

يذكر أن "مركز الأطراف الصناعية والشلل والأجهزة التقويمية" التابع لبلدية غزة تأسس عام 1974 كأول مركز يقدم خدمة للأشخاص ذوي الإعاقة والبتر في مدينة غزة.