تُعدّ مدينة غزة من أقدم المدن التاريخية في العالم، إذ يمتد تاريخها لأكثر من خمسة آلاف عام، وكانت على مرّ العصور مركزًا ثقافيًا وتجاريًا بارزًا في المنطقة. إلا أن الحرب التي استهدفت مدينة غزة منذ أكتوبر 2023م تسببت في دمار بالغ طال النسيج العمراني والمعماري للمدينة، حيث أكدت وزارة السياحة والاثار تضرر نحو 160 موقعًا تراثيًا رئيسيًا في محافظة غزة، معظمها في البلدة القديمة، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا لذاكرة المدينة المكانية والرمزية.
وفي إطار جهود بلدية غزة لتوثيق التراث العمراني والمعماري للمدينة، تم اختيار خريطة الانتداب البريطاني لمدينة غزة لعام 1928م كمرجعية أساسية. وتُعدّ هذه الخريطة، المحفوظة في أرشيف الآثار الفلسطيني لفترة الانتداب (1919–1948م)، وثيقة تاريخية دقيقة توثّق تفاصيل مباني وشوارع ومعالم المدينة، بما في ذلك المقابر، الأراضي الزراعية، والمصادر المائية. كما تتضمن إشارات إلى المباني الدينية مثل الجوامع، المساجد، الزوايا، والمزارات، إلى جانب المباني العامة كالمستشفيات، المدارس، الحمامات العامة، والمنشآت الإدارية والأمنية، بالإضافة إلى الأنشطة الحرفية والتجارية. وقد تم ربط الخريطة بالموقع الجغرافي لمدينة غزة باستخدام نظام الإحداثيات الفلسطيني الذي أعدّته سلطات الانتداب البريطاني عام 1923م.
ويأتي مشروع "رقمنة وإحياء خريطة غزة التاريخية لعام 1928م" كثمرة تعاون بين مركز رواق للمعمار الشعبي، وبلدية غزة، وعدد من الخبراء الفلسطينيين في مجال التراث العمراني، حيث تم تطوير هذه الخريطة الرقمية التفاعلية المدمجة في الموقع الإلكتروني لبلدية غزة. وتحتوي الخريطة على بيانات وصفية دقيقة للمباني التاريخية ، بما يُسهم في دعم جهود الحفاظ على التراث الثقافي، وتوجيه السياسات العمرانية، ووضع أسس علمية لاستراتيجيات إعادة الإعمار المستقبلية.
تمت تمويل مشروع "رقمنة وإحياء خريطة غزة التاريخية لعام 1928م" بدعم كريم من الصندوق العالمي للآثار World Monument Fund