قسم الإعلام:

تتجسد في سوقي "الزاوية" و"القيسارية" وسط مدينة غزة، روح الماضي وأصالة الحضارة القديمة، ويرويان لنا قصص الحضارات المتعاقبة والعصور المختلفة التي مرت على هذا الإرث التاريخي، ويسردان حكايات التاريخ لتجار مضى أصحابها وتركوا هذا الفن المعماري الأصيل لنا، حيث يستمد سوق الزاوية الذي يقع في الناحية الجنوبية من الجامع العًمري الكبير شهرته التاريخية من وجوده بجوار سوق القيسارية الأثري في البلدة القديمة والذي أصبح امتدادًا له.

يتجول المارة في أزقة السوق الشعبي والتاريخي الذي أُنشئ في عهد السلطان المملوكي الناصر "محمد بن قلاوون" عندما أراد أن يفتح المدخل الجنوبي لمصلى الجامع العمري، فهو عبارة عن شارع ضيق مسقوف بقبو مدبب وطوله قرابة "60" مترًا، وعلى جانبيه تصطف حوانيت تجارية صغيرة، ويبلغ عرضه على الشارع نحو "2" متر، ويعلو المدخل الشرقي عقد مدبب كبير، وما يزال صامدًا رغم كل العوامل الطبيعية التي تعتريه.

عند دخولك في الوقت الحالي لسوق القيسارية، فإنك تجد مهندسين وعمّال يعيدون تشييّد مبانيه، ويطورون البينة التحتية له، تنفيذًا للمرحلة الثانية من مشروع ترميم السوق الأثري، وذلك بعد انتهاء بلدية غزة من تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع، بالتعاون مع الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية عام2021م، وبتمويل من مؤسسة "جيردا" الألمانية.

الحماية من الاندثار

تاجر الذهب محمود عياد "45 عامًا"، يقول في حديثه، "أنا أفتخر بسوق القيسارية كونه مكان وإرث حضاري قديم، لكن مبنى السوق تعرض مع مرور الوقت لتغيرات في الكثير من ملامحه"، ويضيف عياد، أنّ "السوق سمى بالوقت الحالي بـ سوق الذهب، وأدى تحديث مُلاك ومستأجري هذه المحلات التجارية إلى تشويه وإخفاء معالمه الأثرية، نتيجة استخدام مواد بناء غير مناسبة لترميمه، وعمل ديكورات حديثة به، ويبدو ذلك واضحًا عند دخول السوق".

ويثني عياد على جهود البلدية للحفاظ على السوق، قائلًا إنّ: "هذه الجهود الكبيرة تجعلنا نحافظ على تراثنا وتعود بنا إلى عبق التاريخ، كوننا نعيش ونتجول في هذا المكان التراثي الجميل". ويعتبر أنّ" إعادة بنائه وتشييده خطوة مهمة لمحاولة حمايتها من الاندثار".

ويؤكد على أنّ المكان يعاني من سنوات عديدة من تغييرات مختلفة سواء من عوامل طبيعية أم بشرية، مباني السوق قديمة قد تصدعت وتشققت بفعل العوامل الطبيعية كالمطر والذي يُغرق السوق، أو بسبب العوامل البشرية كحروب الاحتلال على مدينة غزة، أو بالتعديات غير المشروعة وقلة وعي المواطنين." 

ويلفت إلى، أنّ السوق كانت فيه الإضاءة غير منتظمة ويوجد تعديات من أصحاب المحلات"، ويشير إلى أنّ البلدية تحاول ضبط المكان وتجديده وإعادة عبق التاريخ فيه".

إعادة إحياء أيقونة العمارة المملوكية

من جهته، يقول مدير وحدة التخطيط والاستثمار في بلدية غزة، م. ماهر سالم، إنّ "فكرة ترميم السوق جاءت لإعادة أيقونة العمارة المملوكية لهذا السوق الأثري الذي يعود لذلك العهد، وعملنا بالتنسيق مع وزارة السياحة والآثار الفلسطينية وكلية العلوم التطبيقية، والتي وضعنا فيها مخططًا لترميم البنية التحتية للسوق من أجل تصريف مياه الأمطار والاستفادة بها في تغذية الخزان الجوفي".

ويضيف سالم، إن "السوق يعاني كل عام من غمر مياه الأمطار، لأنه منطقة منخفضة مقارنة مع المباني المحيطة به". ويشير إلى أنّ "جهود البلدية في المرحلة الحالية تشمل صيانة وترميم العقد المدبب والواجهة الشرقية لمدخل السوق وإبراز شكلها الجمالي، وتنظيف الواجهة الداخلية، وإزالة التعديات على السقف الأثري وتدعيم الأحجار وإعادة الكحلة للواجهة، واستبدال الأحجار المهترئة بأحجار أثرية قوية تؤدي مهامها".

ويؤكد، أنّ "التعديات على سقف السوق الخارجي سيتم إزالتها وعزلها تماماً للوقاية من الرطوبة وتسرب المياه"، موضحًا أنّ "مبنى السوق يعاني من الرطوبة المختزنة في داخل جدرانه والتي بدورها تشكل أضراراً سلبية عليه تهدد بانهياره، وذلك بسبب قيام أصحاب المحلات التجارية بطمس الجدران الأصلية بمواد الاسمنت الأسود والرخام والجرانيت، أدت إلى إخفاء المعالم الأثرية"، مطالبًا المواطنين والباعة والتجار بمساعدة البلدية في حماية الأماكن التاريخية".

إبراز الشواهد العمرانية القديمة

بدوره، يؤكّد مدير المشروع والمشرف عليه من الكلية، منير الباز، أنّ "مراحل سير العمل تم تحقيقها وفق الشروط العلمية الدولية للصيانة والترميم، وبناءً على التراخيص والشروط الممنوحة من وزارة السياحة والآثار. ويوضّح الباز، أنّه "سيتم استكمال جزء من العقد المفقود بما يحاكي القديم، والذي دُمر في الحرب العالمية الأولى".

ويشير إلى، أنّ "آلية الترميم يشمل إبراز الشواهد العمرانية الجمالية للعقّد المدببة ومدخل السوق من الناحية الشرقية". ويلفّت إلى، أنّه" ودلت الأحجار المهترئة بأحجار أثرية قوية، تؤدي مهامها للوقاية من الرطوبة وتسرب المياه".

وينوه، على أنّ "المشروع في مرحلته الثانية تشرف عليه تنفذ من شركة شجر، وبتمويل من مؤسسة (جيردا) الألمانية، بتكلفة 180 ألف يورو". وتوقّع الباز، أنّ يتم الانتهاء من مشروع الترميم وتسليمه خلال الشهرين المقبلين

ويشّيّد الباز بجهود البلدية التي تأتي ضمن سياستها للحفاظ على المباني التراثية المهدد بالاختفاء، وإعادة بث روح الحياة لها من جديد بعد تجديدها، وترسخ الانتماء للأرض والتاريخ والهوية الفلسطينية". ويعتبر الباز، أنّ "المواقع الأثرية توثق جذور التاريخ وعبق ذكرياته".