إسعاد الطفولة.. حلم الأطفال حوله الاحتلال لخراب وأطلال

إعلام البلدية 

وقف الطفلين مريم وعبيدة ينظران بحزن وألم والدموع تملأ عيونهما إلى مركز إسعاد الطفولة الذي حوله الاحتلال من مكان فيه الإبداع والأمل للطفولة إلى خراب ودمار، يقول الطفلين" هنا كان الأمل وهنا كنا نعلب ونلهو ونتعلم الفنون والرسم، وفي لحظة حول الاحتلال هذا المكان إلى أكوام من الخراب، تحولت حديقة المركز من مهدٍ للحياة وملاذٍ للبراءة، إلى جرحٍ لا تندمل كانت الأرض التي تمتد على 13 دونما؛ شاهدة على لحظات ضحك الأطفال وبراءتهم، لكن الدمار الذي حل بها حولها إلى قاعٍ من الركام، تعانق فيه الخراب تفاصيل المكان، وتتكسر فيه آمال الأمهات.

ابتلع الحزن المكان التي كانت تزخر به الحياة؛ وأصبح الوجع يئن على امتداد خيام النازحين التي تملأ المكان، وتتأرجح أنفاس الطفولة على أعتاب قاعة المسرح ولكن، اليوم يُعيد المكان نفسه، لكن بوجع أكبر، وبذاكرة تحت وطأة القصف، يئن فيها الأمل تحت أنقاضٍ تُخبر كل من يمر بها أن الأطفال هنا كانوا أكثر من مجرد أرقام في تقرير، كانوا أحلاماً ضاعت بلا عودة.

ينبض بالحياة

تقول مديرة المركز فريال حلس، لم أصدق أن هذا المشهد أصبح واقعاً: "كان المركز يوماً ما ينبض بالحياة، حيث كانت قاعات المسرح، قاعات التدريب متعددة الأنشطة، والحديقة المركزية التي تضم المسارح والمراسم جزءاً من حلمنا الذي يضيء حياة الأطفال ولكن اليوم، الحديقة أصبحت مأوى لخيام النازحين، والمكان الذي كان يفيض بالبراءة إلى مساحة مدمرة يُسمع فيها صدى الجرح في كل زاوية". 

وتواصل حلس قائلة: "استشهد العديد من الأطفال الذين كانوا من روّاد المركز، وأصبحنا نتعامل مع الأطفال النازحين من مناطق مختلفة في غزة، هذا التحول الكبير في واقعنا فرض علينا تحديات جديدة، حيث تم تدمير معظم المنشآت في المركز بما في ذلك قسم التنقيب عن الآثار الذي كان جزءًا من برنامج الحفاظ على الهوية الفلسطينية."

ورغم هذا الدمار الكبير، لم تتوقف عزيمة مديرة المركز والفريق عن العمل. قالت: "الدمار كان شاملاً، ولكننا لم نستسلم، بدأنا بتنظيم أنشطة جديدة للتخفيف عن الأطفال وأسرهم، قدمنا أنشطة الدعم النفسي والاجتماعي، والفنون التشكيلية، والأشغال اليدوية، وبرامج الصحة والنظافة الشخصية، رغم الصعوبات العديدة التي واجهتنا." 

نقطة تحول

في زاوية صغيرة في مركز حديقة إسعاد الطفولة، صادفت الطفلة مريم، ذات الـ 13 عاماً، وهي ترتدي ثوبًا فلسطينيًا مزخرفًا بتطريز يحمل بين طياته حكايا الشعب الفلسطيني. تقول مريم بحزن: "فقدت والدي وأشقائي في الحرب، وكانت الظروف صعبة جدًا وأنا أعيش بين شظايا الحرب والنزوح. لكن انضمامي إلى المركز كان نقطة تحول في حياتي. تعلمت هنا كيف أبتسم من جديد، كيف أصنع زينة رمضان والأشياء التي تفرح القلب، وكيف أكتب القصص التي تحمل كل ما عايشته من مرارة وذكريات."

وعندما سألناها عن تأثير المركز على شخصيتها، قالت مريم بثقة رغم كل ما مرت به: "لا يزال لدي أمل. أشعر أنني أصبحت أقوى، وأعرف أنني لن أستسلم. حتى لو تحطمت كل أحلامي مع بدء العام الثاني للحرب، فإنني ما زلت أنتظر لحظة أن يتوقف هذا الكابوس وأعيش في سلام."

لا يخلو من تحديات

لكن، لا يخلو الحديث عن التحديات التي ما زالت تعيق عمل المركز، تضيف حلس: "كان لدينا برنامج لتمكين المرأة اقتصادياً من خلال تعليم السيدات المطلقات والأرامل مهارات التطريز والحياكة، هذا البرنامج كان مهمًا للغاية، ولكن بسبب تدمير المبنى الرئيسي للمركز، لم نتمكن من تنفيذ هذه الأنشطة كما كان مخططاً".

وتستطرد حلس: "أيضاً، كان لدينا برنامج لتدريب الطلبة الخريجين لفتح فرص عمل جديدة لهم، ولكن بسبب الظروف الأمنية الصعبة، اضطررنا إلى تأجيل هذه البرامج."

على الرغم من كل المعوقات، يظل فريق المركز قوياً، عازماً على الاستمرار، تقول حلس بابتسامة مليئة بالأمل: "الطاقة الإيجابية بين أفراد الطاقم لم تتوقف، ورغم الصعوبات التي نواجهها، لا زلنا نقدم الأنشطة للأطفال. لكن التحديات تتجسد في عدم توفر الأدوات والمواد اللازمة للعمل، بالإضافة إلى الاستهدافات العشوائية التي يقيمها الاحتلال، مما يحد من قدرتنا على العمل بحرية." 

تغلبنا على العديد من هذه الصعوبات من خلال الانتقال إلى أماكن أكثر أماناً، مثل المكتبة العامة ومركز هولست الثقافي، حيث نواصل العمل مع الأطفال وتقديم أنشطة تساعدهم على التخفيف من الآلام النفسية. 

في ختام حديثها، وجهت حلس نداءً للمجتمع المحلي: "نحن بحاجة إلى دعمكم المستمر، نحن بحاجة إلى تمويل الأنشطة التي نقدمها للأطفال لضمان استمرارية عمل المركز في هذا الظرف الصعب، كل دعم مهم، مهما كان صغير، هذا المركز هو أكثر من مجرد مكان، إنه أمل للكثيرين. دعمكم يعني أننا سنواصل، رغم كل الصعاب، في إعادة الحياة إلى مكان كان يومًا ما شعاع للأمل في أعين الأطفال." 

مكان آمن

في عيني عبيدة، الطفل ذو العشر سنوات، لا تزال بقايا الطفولة تتلمس الأمل رغم كل ما مر به. بابتسامة خجولة، قال: "كنت دائمًا أريد أن أكون في مكان آمن، لكن الحرب جعلت كل شيء صعب انضممت إلى المركز بعدما تعرفت على أطفال كانوا يأتون إليه، وكان هذا هو المكان الوحيد الذي شعرت فيه بالأمان."

عبيدة لم يتوقف عن البوح بحلمه الصغير قائلاً: "تعلمت هنا كيف أصنع أشياء جميلة مثل الزينة والأعمال اليدوية، شعرت أنني أستطيع أن أبتكر رغم كل شيء. المركز علمني أنه لا يزال هناك أمل، وأنني يمكنني أن أكون جزء من شيء إيجابي حتى في أصعب الظروف."

وأضاف: "كان حلمي أن أعود إلى مدرستي، وأن ألعب مع أصدقائي من جديد. المركز علمني كيف أتغلب على حزني، وعلموني أن الفرح يمكن أن يولد حتى في أصعب الأوقات."

رغم الركام والدمار، يبقى الأمل مشرقًا في عيون الأطفال أن "مركز حديقة إسعاد الطفولة" ليس مجرد مكان، بل هو بصيص ضوء يبدد ظلمات الحرب، ويؤكد أن الحياة ستظل مستمرة، مهما كانت التحديات. في كل ابتسامة، في كل قصة، يتجدد الأمل.